الأخبار

العظماء يصنعون التاريخ

العظماء يصنعون التاريخ

بقلم : الدكتور يحيى خيرالله

نقف اليوم وقفة وفاء وتأمل نستعيد فيها سيرة قائد ترك بصمته العميقة في مسار بلاده وتاريخ شعبه، الزعيم كيم جونغ إيل، فقد كان شخصية محورية في مرحلة حساسة، حمل خلالها هموم وطنه وآمن بأن صون السيادة الوطنية يتطلب الثبات في المواقف والتمسك بالاستقلال السياسي.

كما ارتبطت رؤيته السياسية بموقفٍ واضح مما اعتبره النفوذ الإمبريالي، ولا سيما السياسات الأمريكية؛ إذ رأى أن بلاده تحتاج إلى حماية استقلال قرارها ومنع أي تدخل خارجي قد يحد من خياراتها الوطنية. وقد شكّل هذا التوجه إحدى ركائز خطابه السياسي وعقيدته في العلاقات الدولية، معتمدًا على فكرة الاعتماد على الذات ومقاومة الضغوط الخارجية.

كان للقائد كيم جونغ إيل دورا هاما في تطوير حزب العمل الكوري منذ تولى العمل في اللجنة المركزية للحزب ، فقد  حقق وحدة الحزب وتلاحمه تنظيميا وفكريا، على أساس فكرة زوتشيه والمحبة الرفاقية. بادئ ذي بدء، حرص على أن يتخذ جميع أعضاء الحزب فكرة زوتشيه إيمانا ثابتا لهم، تلك الفكرة التي تدعو إلى معالجة جميع القضايا المطروحة في بناء الحزب والدولة، من خلال تنظيم جماهير الشعب واستنهاضها بوضع الثقة في قوتها. هذا وعمل على تطوير وإغناء فكرة زوتشيه، بما يتفق مع متطلبات تطور العصر والثورة، عبر إصدار كثير من المؤلفات مثل “في فكرة زوتشيه” حتى تظهر هذه الفكرة حيويتها الخالدة.

كما أنه جعل صفوف الحزب تتحد بقلب واحد، بناء على مشاعر الحب والمودة، لا عملا بالأوامر والإرشادات والشعور بالواجب، وهو ما يعد إحدى مآثره البارزة.

لقد أوضح القائد كيم جونغ إيل الاتجاه والسبل لتحقيق التنمية المستدامة للبلاد، متطلعا إلى المستقبل البعيد. في أواخر القرن الماضي حين بلغت صعوبات البلاد أوجها، من جراء مراوغات الإمبرياليين المعادية للاشتراكية، أعطى حزب العمل الكوري الأولوية لتطوير العلوم والتكنولوجيا، متمسكا بالنهج الخاص بإيلاء الأهمية لها، حتى أسهم في تحفيز الثورة الصناعية في القرن الجديد بهمة ونشاط. على ذلك، أقيم في أنحاء البلاد عدد كبير من المصانع المزودة بالتجهيزات المشغلة رقميا بالكمبيوتر، وتسارعت بخطى حثيثة عملية تحقيق استقلالية صناعة البينالون وصناعة الأسمدة وصناعة الفولاذ، بحيث فتح طريق واسع لبناء الدولة الاشتراكية القوية.

ومن بين التوجهات البارزة التي عُرف بها الراحل سياسته المعروفة باسم سيلسة سونكون (إعطاء الأولوية للشؤون العسكرية) بصورة أعلى، وصياغة سياسة سونكون كأسلوب قيادة لحزب العمل الكوري، في أواسط التسعينيات من القرن الماضي حين كان الإمبرياليون يركزون على هذا البلد مؤامراتهم المناوئة للاشتراكية. من هنا، حرص حزب العمل الكوري على إشاعة جو إيلاء الأهمية للشؤون العسكرية في المجتمع كله، وحث جميع أبناء المجتمع على أن يشاركوا أفراد الجيش الشعبي الفكر وأسلوب النضال، معززا بذلك القدرات الدفاعية للبلاد إلى أبعد الحدود.

ولم تقتصر صورته على دوره السياسي فحسب، بل نُظر إليه أيضًا بوصفه قائدًا متعدد المواهب—وهو وصف تشير بعض الأدبيات الغربية إلى أنه استُخدم للدلالة على تنوع اهتماماته وظهوره في مجالات متعددة. وقد منحته قطاعات واسعة من الشعب الكوري ألقابًا عكست صورتهم عنه آنذاك، مثل السياسي المحنك والبارز، والمفكر العظيم، وحامي سلام البشرية، وهي تسميات تعكس الرمزية التي اكتسبها الراحل داخل الخطاب الداخلي في كوريا.

وهكذا، تبقى ذكرى القائد الراحل مناسبة لاستحضار مرحلة كاملة من التاريخ، بما حملته من تحديات وخيارات ورؤى لا تزال آثارها حاضرة. إنها لحظة للتأمل في إرثه، ولتقدير ما شكّلته قيادته من جزءٍ مهم في مسار بلاده ورحلتها عبر الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى